الصفحة الرئيسية
>
حــديث
عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ، من تركها من مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه. رواه الطبراني.
لما كانت مفسدة الزنى من أعظم المفاسد ، وهي منافية لمصلحة نظام العالم في حفظ الأنساب ، وحماية الفروج وصيانة الحرمات ، وتوقي ما يوقع أعظم العداوة والبغضاء بين الناس ، من إفساد كل منهم امرأة صاحبه وابنته وأخته وأمه ، وفي ذلك خراب العالم ، كانت تلي مفسدة القتل في الكبر، ولهذا قرنها الله سبحانه بها في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في سننه. قال الإمام أحمد : ولا أعلم بعد قتل النفس شيئاً أعظم من الزنى. وقد أكد سبحانه حرمته ، بقوله {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً *إلا من تاب...} الآيات (الفرقان : 68-70).
فقرن الزنى بالشرك وقتل النفس ، وجعل جزاء ذلك الخلود في العذاب المضاعف ، ما لم يرفع العبد بموجب ذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح.
ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدماً على حفظ الفرج ، فإن الحوادث مبدؤها من البصر ، كما أن معظم النار من مستصغر الشرر ، فتكون نظرة ، ثم خطرة ، ثم خطوة ، ثم خطيئة .
ولهذا قيل : من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه : اللحظات والخطرات واللفظات والخطوات.
فينبغي للعبد أن يكون بواب نفسه على هذه الأبواب الأربعة ويلازم الرباط على ثغورها ، فمنها يدخل عليه العدو ، فيجوس خلال الديار ويتبر ما علا تتبيراً .
واللحظات (أي النظرات): هي رائد الشهوة ورسولها ، وحفظها أصل حفظ الفرج ، فمن أطلق بصره أورد نفسه موارد المهلكات .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تتبع النظرة النظرة ، فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى . وقال : غضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم .
والنظرة أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ، فالنظرة تولد خطرة ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولد الفكرة شهوة ، ثم تولد الشهوة إرادة ، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة ، فيقع الفعل ولا بد ، ما لم يمنع منه مانع ، وفي هذا قيل : (الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده) .
قال الشاعر :
كل الحوادث مبداها من النظر ** ومعظم النار من مستصغر الشـرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها ** كمبلغ السهم بين القوس والوتـر
والعبد ما دام ذا طرف يقلبه ** في أعين العين موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجــته ** لا مرحباً بسرور عاد بالضـرر
ومن آفات النظر : أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات ، فيرى العبد ما ليس قادراً عليه ولا صابراً عنه ، وهذا من أعظم العذاب ، أن ترى ما لا صبر لك عن بعضه ولا قدرة على بعضه . فاللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
المزيد |